فصل: فصل في أحكام الطواف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 باب دخول مكة

زادها الله شرفا وما يتعلق به السنة أن يدخل المحرم بالحج مكة قبل الوقوف بعرفة ولدخوله سنن منها الغسل بذي طوى وأن يدخل من ثنية كداء بفتح الكاف والمد وهي بأعلى مكة وإذا خرج خرج من ثنية كدى بضم الكاف بأسفل مكة والذي يشعر به كلام الأكثرين أنها بالمد أيضا ويدل عليه أنهم كتبوها بالألف ومنهم من قالها بالياء‏.‏

قلت‏:‏ الصواب الذي أطبق عليه المحققون من أهل الضبط أن الثنية السفلى بالقصر وتنوين الدال ولا اعتداد بشياع خلافه عند غيرهم وأما كتابته بالألف فليست ملازمة للمد والثنية الطريق الضيق بين جبلين وهذه الثنية عند جبل قعيقعان والله أعلم‏.‏

قال الأصحاب وهذه السنة في حق من جاء من طريق المدينة والشام فأما الآتي من غيرها فلا يؤمر أن يدور حول مكة ليدخل من ثنية كداء وكذا الغسل بذي طوى قالوا وإنما دخل النبي صلى الله عليه وسلم من تلك الثنية اتفاقا لا قصدا ومقتضى هذا أن لا يتعلق نسك بالدخول منها للآتي من جهة المدينة وكذا قاله الصيدلاني وقال الشيخ أبو محمد ليست الثنية على طريق المدينة بل عدل إليها النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال فيستحب الدخول منها لكل آت ووافق إمام الحرمين الجمهور وسلم للشيخ بأن موضع الثنية على ما ذكره‏.‏

قلت‏:‏ الصحيح أن يستحب الدخول من الثنية لكل آت من أي جهة والله أعلم‏.‏

فرع هل الأفضل دخول مكة ماشيا أم راكبا وجهان فإن دخل ماشيا فقيل الأولى أن يكون حافيا

قلت‏:‏ الأصح ماشيا أفضل وله دخول مكة ليلا ونهارا بلا كراهة فقد ثبتت السنة فيهما والأصح أن النهار أفضل وبه قال أبو إسحق واختاره صاحب التهذيب وغيره وقال القاضي أبو الطيب وغيره هما سواء في الفضيلة والله أعلم‏.‏

يستحب إذا وقع بصره على البيت أن يرفع يديه ويقول اللهم هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وعظمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا ويضيف إليه اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام ويدعو بما أحب من مهمات الآخرة والدنيا وأهمها سؤال المغفرة واعلم أن بناء البيت رفيع يرى قبل دخول المسجد في موضع يقال له رأس الردم إذا دخل من أعلى مكة‏.‏

وحينئذ يقف ويدعو بما ذكرنا فإذا فرغ من الدعاء قصد المسجد ودخله من باب بني شيبة وهذا مستحب لكل قادم بلا خلاف ويبتدىء عند دخوله بطواف القدوم ويؤخر اكتراء منزله وتغيير ثيابه إلى أن يفرع‏:‏ طوافه‏.‏

فلو دخل والناس في مكتوبة صلاها معهم أولا وكذا لو أقيمت الجماعة وهو في أثناء الطواف قدم الصلاة وكذا لو خاف فوت فريضة أو سنة مؤكدة‏.‏

ولو قدمت المرأة نهارا وهي جميلة أو شريفة لا تبرز للرجال أخرت الطواف إلى الليل وليس في حق من دخل مكة بعد الوقوف طواف قدوم إنما هو لمن دخلها أولا ويسمى طواف القدوم أيضا طواف الورود وطواف التحية لأنه التحية البقعة ويأتي به كل من دخلها سواء كان تاجرا أو حاجا أو غيرهما‏.‏

 فصل من قصد مكة لا لنسك

له حالان أحدهما أن لا يكون ممن يتكرر دخوله بأن دخلها لزيارة أو تجارة أو رسالة وكالمكي إذا دخلها عائدا من سفره هل يلزمه أن يحرم بالحج أو العمرة فيه طريقان أصحهما على قولين أحدهما يلزمه وهو الأظهر عند المسعودي وصاحب التهذيب وغيرهما في آخرين واختاره صاحب التلخيص‏.‏

والثاني يستحب وهو الأظهر عند الشيخ أبي حامد ومتابعيه والشيخ أبي محمد والغزالي والطريق الثاني القطع بالاستحباب‏.‏

قلت‏:‏ الأصح في الجملة استحبابه وقد صححه الرافعي في المحرر والله أعلم‏.‏

الحال الثاني أن يكون ممن يتكرر دخوله كالحطابين والصيادين ونحوهم فإن قلنا في الحال الأول لا يلزمه فهنا أولى وإلا فالمذهب أنه لا يلزمه أيضا وقيل قولان وفي وجه ضعيف يلزمهم الإحرام كل سنة مرة وحيث قلنا بالوجوب فله شروط أحدها أن يجيء الداخل من خارج الحرم فأما أهل الحرم فلا إحرام عليهم بلا خلاف‏.‏

الثاني أن لا يدخلها لقتال ولا خائفا فإن دخلها لقتال باغ أو قاطع طريق أو غيرهما أو خائفا من ظالم أو غريم يحبسه وهو معسر لا يمكنه الظهور لأداء النسك لم يلزمه الإحرام بلا خلاف الثالث أن يكون حرا فالعبد لا إحرام عليه وقيل إن أذن سيده في الدخول محرما فهو كحر والمذهب الأول وإذا اجتمعت شرائط الوجوب فدخل غير محرم فطريقان أصحهما وبه قطع الأكثرون لا قضاء عليه والثاني على وجهين وقيل قولين أحدهما هذا والثاني يلزمه القضاء تداركا للواجب وسبيله على هذا أن يخرج ثم يعود محرما وعللوا عدم القضاء بعلتين إحداهما أنه لا يمكن القضاء لأن الدخول الثاني يقتضي إحراما آخر فصار كمن نذر صوم الدهر فأفطر يوما‏.‏

وفرع‏:‏ صاحب التلخيص على هذه العلة أنه لو لم يكن ممن يتكرر دخوله كالحطابين ثم صار منهم قضى لتمكنه وربما نقل عنه أنه يوجب عليه أن يجعل نفسه منهم والعلة الثانية وهي الصحيحة وبها قال العراقيون والقفال أنه تحية للبقعة فلا تقضى كتحية المسجد وأبطلوا العلة الأولى قال ابن كج تفريعا على قول الوجوب إنه إذا انتهى إلى الميقات على قصد دخول مكة لزمه أن يحرم من الميقات فلو أحرم بعد مجاوزته فعليه دم بخلاف ما لو ترك الإحرام من أصله وهل ينزل دخول الحرم منزلة دخول مكة فيما ذكرناه قال بعض الشارحين نعم والمراد بمكة في هذا الحرم ولا يبعد تخريجه على خلاف سبق في نظائره‏.‏

قلت‏:‏ الصواب القطع بأن الحرم كمكة في هذا وقد اتفق الأصحاب عليه وصرح به خلائق منهم صاحب الحاوي والمحاملي في المقنع وغيره والجرجاني في التحرير والشاشي في المستظهري والروياني في الحلية وغيرهم وعجب قول الرافعي قال بعض الشارحين مع شهرة هذه الكتب والله أعلم‏.‏

 فصل في أحكام الطواف

للطواف بأنواعه وظائف واجبة وأخرى مسنونة فالواجب ثمانية مختلف في بعضها الأول الطهارة عن الحدث والنجس وستر العورة كما في الصلاة فلو طاف محدثا أو عاريا أو على بدنه أو ثوبه نجاسة غير معفو عنها لم يصح طوافه وكذا لو كان يطأ في مطافه النجاسة ولم أر للأئمة تشبيه مكان الطواف بالطريق في حق المتنفل ماشيا أو راكبا وهو تشبيه لا بأس به ولو أحدث في أثناء طوافه عمدا لزمه الوضوء وهل يبني على ما مضى من طوافه أم يستأنف قولان وقيل وجهان أظهرهما له البناء والثاني يجب الاستئناف فلو سبقه الحدث فإن قلنا يبني العامد فهذا أولى وإلا فقولان أو وجهان الأصح البناء هذا كله إذا لم يطل الفصل فإن طال فسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وحيث لا نوجب الاستئناف نستحبه‏.‏

الواجب الثاني الترتيب وهو أن يبتدىء من الحجر الأسود فيحاذيه بجميع بدنه ويمر تلقاء وجهه والبيت على يساره فلو جعل البيت على يمينه ومر من الحجر الأسود إلى الركن اليماني لم يصح طوافه فلو لم يجعله على يمينه ولا على يساره بل استقبله بوجهه معترضا أو جعل البيت على يمينه ومشى قهقرى نحو الباب فوجهان أصحهما لا يصح وهو الموافق لعبارة الأكثرين والقياس جريان هذا الخلاف فيما لو مر معترضا مستدبرا قلت‏:‏ الصواب القطع بأنه لا يصح الطواف في هذا الصورة فإنه منابذ لما ورد الشرع به والله أعلم‏.‏

ولو ابتدأ من غير الحجر الأسود لم يعتد بما فعله حتى ينتهي إلى الحجر الأسود فيكون منه ابتداء الطواف وينبغي أن يمر في الابتداء بجميع بدنه على جميع الحجر الأسود فلا يقدم جزءا من بدنه على جزء من الحجر الأسود فلو حاذاه ببعض بدنه وكان بعضه مجاوزا إلى جانب الباب فقولان الجديد أنه لا يعتد بتلك الطوفة والقديم يعتد بها وجعل إمام الحرمين والغزالي هذا الخلاف وجهين وليس كما قالا بل هما قولان منصوصان حكاهما الأصحاب ولو حاذى بجميع البدن بعض الحجر دون بعضه أجزأه ذكره أصحابنا العراقيون كما يجزئه أن يستقبل في الصلاة بجميع بدنه بعض الكعبة‏.‏

الواجب الثالث أن يكون خارجا بجميع بدنه عن جميع البيت فلو مشى على الشاذروان لم يصح طوافه فإنه جزء من البيت وينبغي أن يدور في طوافه حول الحجر وهو المحوط بين الركنين الشاميين بجدار قصير بينه وبين كل واحد من الركنين فتحة وكلام كثير من الأصحاب يقتضي كون جميعه من البيت وهو ظاهر نصه في المختصر لكن الصحيح أنه ليس كذلك بل الذي هو من البيت قدر ست أذرع تتصل بالبيت وقيل ست أذرع أو سبع ولفظ المختصر محمول على هذا فلو دخل إحدى الفتحتين وخرج من الأخرى لم يحسب له ذلك ولا ما بعده حتى ينتهي إلى الفتحة التي دخل منها بلا خلاف ولو لم يدخل الفتحة وخلف القدر الذي من البيت ثم اقتحم الجدار وقطع الحجر على السمت صح طوافه‏.‏

قلت‏:‏ الأصح أنه لا يصح الطواف في شيء من الحجر وهو ظاهر المنصوص وبه قطع معظم الأصحاب تصريحا وتلويحا ودليله أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف خارج الحجر والله أعلم

ولو كان يطوف ويمس الجدار بيده في موازاة الشاذروان أو غيره من أجزاء البيت ففي صحة طوافه وجهان الصحيح باتفاق فرق الأصحاب أنه لا يصح لأن بعض بدنه في البيت فهو كما لو كان يضع إحدى رجليه أحيانا على الشاذروان ويقفز بالأخرى‏.‏

الواجب الرابع أن يقع الطواف في المسجد الحرام ولا بأس بالحائل فيه بين الطائف والبيت كالسقاية والسواري ويجوز في أخريات المسجد وأروقته وعند باب المسجد من داخله ويجوز على سطوحه إذا كان البيت أرفع بناء كما هو اليوم فإن جعل سقف المسجد أعلى فقد ذكر في العدة أنه لا يجوز الطواف على سطحه ولو صح قوله لزم أن يقال لو انهدمت الكعبة والعياذ بالله لم يصح الطواف حول عرصتها وهو بعيد‏.‏

فرع لو وسع المسجد اتسع المطاف وقد جعلته العباسية أوسع مما كان في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قلت‏:‏ أول من وسع المسجد الحرام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه اشترى دورا وزادها فيه واتخذ للمسجد جدارا قصيرا دون القامة وكان عمر أول من اتخذ الجدار للمسجد الحرام ثم وسعه عثمان بن عفإن رضي الله عنه كذلك واتخذ له الأروقة وكان أول من اتخذها ثم وسعه عبد الله بن الزبير في خلافته ثم وسعه الوليد بن عبد الملك ثم المنصور ثم المهدي وعليه استقر بناؤه إلى وقتنا هذا والله أعلم‏.‏

الواجب الخامس العدد وهو أن يطوف سبعا‏.‏

الواجب السادس مختلف فيه وهو أنه إذا فرغ من الطواف صلى ركعتين وهل هما واجبتان أم سنة قولان أظهرهما سنة هذا إذا كان الطواف فرضا فإن كان سنة فطريقان أحدهما طرد القولين والثاني القطع بأن الصلاة سنة وقيل تجب الصلاة في الطواف المفروض قطعا ويستحب أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد وأن يصليها خلف المقام فإن لم يفعل ففي الحجر وإلا ففي المسجد وإلا ففي أي موضع شاء من الحرم وغيره ويجهر فيهما بالقراءة ليلا ويسر نهارا وإذا قلنا هما سنة فصلى فريضة بعد الطواف أجزأه عنها كتحية المسجد نص عليه في القديم وحكاه الإمام عن الصيدلاني لكنه استبعده‏.‏

وتمتاز هذه الصلاة عن غيرها بجريان النيابة فيها إذ الأجير يؤديها عن المستأجر قلت‏:‏ اختلف أصحابنا في صلاة الأجير هذه فقيل تقع عنه‏.‏

وقيل تقع عن المستأجر وهو الأشهر والله أعلم‏.‏

فرع ركعتا الطواف وإن أوجبناهما فليستا بشرط في صحته ولا ركنا منه بل يصح بدونهما وفي تعليل جماعة من الأصحاب ما يقتضي اشتراطهما قلت‏:‏ الصواب أنهما ليستا شرطا ولا ركنا والله أعلم‏.‏

ولا تفوت هذه الصلاة ما دام حيا ولا يجبر تأخيرها ولا تركها بدم لكن حكى صاحب التتمة عن نص الشافعي رضي الله عنه أنه إذا أخر تستحب له إراقة دم وقال الإمام لو مات قبل الصلاة لم يمتنع جبرها بالدم‏.‏

قلت‏:‏ وإذا أراد أن يطوف طوافين أو أكثر استحب أن يصلي عقيب كل طواف ركعتيه فلو طاف طوافين أو أكثر بلا صلاة ثم صلى لكل طواف ركعتيه جاز والله أعلم‏.‏

الواجب السابع مختلف فيه وهو النية وفي وجوبها في الطواف وجهان أصحهما لا تجب لأن نية الحج تشمله وهل يشترط أن لا يصرفه إلى غرض آخر من طلب غريم ونحوه وجهان أصحهما نعم ولو نام في الطواف أو بعضه على هيأة لا ينتقض الوضوء قال الإمام هذا يقرب من صرف الطواف إلى طلب الغريم ثم قال ويجوز أن يقطع بوقوعه موقعه قلت‏:‏ الأصح صحة طوافه والله أعلم‏.‏

فرع لو حمل رجل محرما من صبي أو مريض أو غيرهما وطاف الحامل حلالا أو قد طاف عن نفسه حسب الطواف للمحمول بشرطه وإلا فإن قصد الطواف عن المحمول فثلاثة أوجه أصحها يقع للمحمول فقط تخريجا على قولنا يشترط أن لا يصرفه إلى غرض آخر والثاني يقع عن الحامل فقط تخريجا على قولنا لا يشترط ذلك فإن الطواف حينئذ يكون محسوبا له فلا ينصرف عنه بخلاف ما إذا حمل محرمين وطاف بهما وهو حلال أو محرم قد طاف فإنه يجزئهما جميعا لأن الطواف غير محسوب للحامل فيكون المحمولان كراكبي دابة والثالث يقع عنهما جميعا ولو قصد الطواف عن نفسه وقع عنه ولا يحسب عن المحمول قاله الإمام وحكى اتفاق الأصحاب عليه قال وكذا لو قصد الطواف لنفسه وللمحمول وحكى صاحب التهذيب وجهين في حصوله للمحمول مع الحامل ولو لم يقصد شيئا من الأقسام الثلاثة فهو كما لو قصد نفسه أو كليهما وسواء في الصبي المحمول حمله وليه الذي أحرم عنه أو غيره‏.‏

قلت‏:‏ لو طاف المحرم بالحج معتقدا أنه محرم بعمرة أجزأه عن الحج كما لو طاف عن غيره وعليه طواف ذكره الروياني والله أعلم‏.‏

الواجب الثامن مختلف فيه وهو الموالاة بين الطوفات السبع وفيها قولان أظهرهما أنها سنة فلا تبطل بالتفريق الكثير والثاني واجبة فتبطل بالتفريق الكثير بلا عذر فإن فرق يسيرا أو كثيرا بعذر فهو كما قلنا في الوضوء قال الإمام والكثير ما يغلب على الطن تركه الطواف ولو أقيمت المكتوبة وهو في أثناء الطواف فالتفريق بها تفريق بعذر وقطع الطواف المفروض لصلاة الجنازة أو الرواتب مكروه إذ لا يحسن ترك فرض العين لفرض الكفاية أما سنن الطواف فخمس الأولى أن يطوف ماشيا ولا يركب إلا لعذر مرض أو نحوه أو كان ممن يحتاج إلى ظهوره ليستفتي ولو طاف راكبا بلا عذر جاز بلا كراهة كذا قاله الأصحاب قال الإمام وفي القلب من إدخال البهيمة التي لا يؤمن تلويثها المسجد شيء فإن أمكن الاستيثاق فذاك وإلا فإدخالها مكروه الثانية أن يستلم الحجر الأسود بيده في ابتداء الطواف ويقبله ويضع جبهته عليه فإن منعته الزحمة من التقبيل اقتصر على الاستلام فإن لم يمكن اقتصر على الإشارة باليد ولا يشترط بالفم إلا التقبيل ولا يقبل الركنين الشاميين ولا يستلمهما ويستلم الركن اليماني ولا يقبله ويستحب أن يقبل اليد بعد استلام اليماني وبعد استلام الحجر الأسود إذا اقتصر على استلامه للزحمة‏.‏

وذكر إمام الحرمين أنه مخير بين أن يستلم ثم يقبل اليد وبين أن يقبل اليد ثم يستلم والمذهب القطع بتقديم الاستلام ثم تقبيلها وبهذا قطع الجمهور ولو لم يستلم بيده فوضع عليه خشبة ثم قبل طرفها جاز‏.‏

قلت‏:‏ الاستلام بالخشبة ونحوها مستحب إذا لم يتمكن من الاستلام باليد والله أعلم‏.‏

ويستحب تقبيل الحجر واستلامه واستلام اليماني عند محاذاتهما في كل طوفة وهو في الأوتار قلت‏:‏ ولا يستحب للنساء استلام ولا تقبيل إلا عند خلو المطاف في الليل أو غيره والله أعلم‏.‏

الثالثة الدعاء فيستحب أن يقول في ابتداء الطواف بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ويقول بين الركنين اليمانيين اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ويدعو في جميع طوافه بما شاء وقراءة القرآن في الطواف أفضل من الدعاء غير المأثور وأما المأثور فهو أفضل منها على الصحيح وعلى الثاني أنها أفضل منه الرابعة الرمل بفتح الميم والراء وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى دون الوثوب والعدو ويقال له الخبب وغلط الأئمة من ظن أنه دون الخبب ويسن الرمل في الطوفات الثلاث الأول ويسن المشي على الهينة في الأربعة الأخيرة ثم هل يستوعب البيت بالرمل قولان المشهور يستوعب والثاني لا يرمل بين الركنين اليمانيين ولا خلاف أن الرمل لا يسن في كل طواف بل فيما يسن فيه قولان أظهرهما عند الأكثرين إنما يسن في طواف يستعقب السعي والثاني يسن في طواف القدوم فعلى القولين لا رمل في طواف الوداع ويرمل من قدم مكة معتمرا لوقوع طوافه مجزئا عن القدوم واستعقابه السعي ويرمل أيضا الحاج الأفقي إن لم يدخل مكة إلا بعد الوقوف وإن دخلها قبل الوقوف فهل يرمل في طواف القدوم ينظر إن كان لا يسعى عقبه فعلى القول الثاني يرمل وعلى الأول لا يرمل وإنما يرمل في طواف الإفاضة وإن كان يسعى عقبه وإذا رمل فيه وسعى بعده فلا يرمل في طواف الإفاضة إن لم يرد السعي عقبه وكذا إن أراده على الأظهر وإذا طاف للقدوم وسعى بعده ولم يرمل فهل يقضيه في طواف الإفاضة وجهان ويقال قولان أصحهما لا ولو طاف ورمل ولم يسع قال الأكثرون يرمل في طواف الإفاضة هنا لبقاء السعي والظاهر أنهم فرعوا على القول الأول وإلا فالقول الثاني لا يعتبر السعي وهل يرمل المكي المنشىء حجه من مكة إن قلنا بالقول الثاني فلا إذ لا قدوم في حقه وإلا فنعم لاستعقابه السعي‏.‏

فرع لو ترك الرمل في الطوفات الثلاث لم يقضه في الأربع لأن هيأتها السكينة فلا يغير‏.‏

فرع القرب من البيت مستحب للطائف ولا ينظر إلى كثرة الخطى لو فلو تعذر الرمل مع القرب للزحمة فإن كان يرجو فرجة وقف ليرمل فيها وإلا فالمحافظة على الرمل مع البعد عن البيت أفضل لأن القرب فضيلة تتعلق بموضع العبادة والرمل فضيلة تتعلق بنفس العبادة والمتعلق بنفس العبادة أولى بالمحافظة‏.‏

ألا ترى أن الصلاة بالجماعة في البيت أفضل من الانفراد في المسجد ولو كان في حاشية المطاف نساء ولم يأمن ملامستهن لو تباعد فالقرب بلا رمل أولى من البعد مع الرمل حذرا من انتقاض الطهارة وكذا لو كان بالقرب أيضا نساء وتعذر الرمل في جميع المطاف لخوف الملامسة فترك الرمل في هذه الحالة أولى ومتى تعذر الرمل استحب أن يتحرك في مشيه ويرى من نفسه أنه لو أمكنه الرمل لرمل وإن طاف راكبا أو محمولا قولان أظهرهما يرمل به الحامل ويحرك الدابة وقيل القولان في المحمول البالغ ويرمل حامل الصبي قطعا‏.‏

فرع ليكن من دعائه في الرمل اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا الخامسة الاضطباع وهو أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر ويبقي منكبه الأيمن مكشوفا وكل طواف سن فيه الرمل سن فيه الاضطباع وما لا فلا لكن الرمل مخصوص بالطوفات الثلاث الأول والاضطباع يعم جميعها ويسن أيضا في السعي بين الصفا والمروة على المذهب الذي قطع به الجمهور وحكي وجه أنه لا يسن فيه ولا يسن في ركعتي الطواف على الأصح لكراهة الاضطباع في الصلاة فعلى هذا إذا فرغ من الطواف أزال الاضطباع ثم صلى الركعتين ثم أعاد الاضطباع وخرج للسعي‏.‏

فرع قلت‏:‏ ومتى كان عليه طواف الإفاضة فنوى غيره عن غيره أو عن نفسه تطوعا أو قدوما أو وداعا وقع عن طواف الإفاضة كما في واجب الحج والعمرة ولو نذر أن يطوف فطاف عن غيره قال الروياني إن كان زمن النذر معينا لم يجز أن يطوف فيه عن غيره وإن طاف في غيره أو كان زمانه غير معين فهل يصح أن يطوف عن غيره والنذر في ذمته وجهان أصحهما لا يجوز كالإفاضة والله أعلم‏.‏

 فصل في السعي

إذا فرغ من ركعتي الطواف استحب أن يعود إلى الأسود ويستلمه ثم يخرج من باب الصفا ليسعى بين الصفا والمروة فيبدأ بالصفا ويرقى على الصفا بقدر قامة رجل حتى يتراءى البيت ويقع بصره عليه فإذا رقي عليه استقبل البيت وهلل وكبر وقال الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون‏.‏

ثم يدعو بما أحب من أمر الدين والدنيا ثم يعيد هذا الذكر والدعاء ثانيا ثم يعيد الذكر ثالثا ولا يدعو‏.‏

قلت‏:‏ ولنا وجه أنه يدعو بعد الثالثة وبه قطع الروياني وصاحب التنبيه والماوردي وغيرهم وهو الصحيح وقد صح ذلك في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم‏.‏

ثم ينزل من الصفا ويمشي إلى المروة ويرقى عليها بقدر قامة رجل ويأتي بالذكر والدعاء كما فعل على الصفا‏.‏

ثم المستحب في قطع هذه المسافة أن يمشي من الصفا على عادته حتى يبقى بينه وبين الميل الأخضر المعلق بركن المسجد على يساره قدر ست أذرع ثم يسعى سعيا شديدا حتى يتوسط بين الميلين الأخضرين أحدهما في ركن المسجد والآخر متصل بدار العباس رضي الله عنه ثم يمشي على عادته حتى يصعد المروة وإذا عاد من المروة إلى الصفا مشى في موضع مشيه وسعى في موضع رعيه أولا ويستحب أن يقول في سعيه رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم‏.‏

الرقي على الصفا والمروة سنة والواجب هو السعي بينهما ويحصل رقي بأن يلصق العقب بأصل ما يذهب منه ويلصق رؤوس أصابع رجليه بما يذهب إليه من الصفا والمروة وفيه وجه ضعيف أنه يجب الرفي عليهما بقدر قامة رجل وأما الذكر والدعاء والإسراع في السعي وعدم الإسراع فسنة والموالاة في مرات السعي سنة وكذا الموالاة بين الطواف والسعي سنة فلو تخلل بينهما فصل طويل لم يضر بشرط أن لا يتخلل ركن فلو طاف للقدوم ثم وقف بعرفة لم يصح سعيه بعد الوقوف بل عليه أن يسعى بعد طواف الإفاضة وذكر في التتمة أنه إذا طال الفصل بين مرات السعي أو بين الطواف والسعي ففي صحة السعي قولان وإن لم يتخلل ركن والمذهب ما سبق‏.‏

فرع في واجبات السعي وشروطه فيشترط وقوعه بعد طواف صحيح سواء طواف القدوم والإفاضة ولا يتصور وقوعه بعد طواف الوداع لأن طواف الوداع هو المأتي به بعد الفراغ وإذا بقي السعي لم يكن المأتي به طواف وداع ولو سعى عقيب طواف القدوم لم تستحب إعادته بعد طواف الإفاضة بل قال الشيخ أبو محمد تكره إعادته‏.‏

ويشترط الترتيب وهو أن يبدأ بالصفا فإن بدأ بالمروة لم يحسب مروره منها إلى الصفا قلت‏:‏ ويشترط في المرة الثانية أن يبدأ بالمروة فلو أنه لما وصل المروة ترك العود في طريقه وعدل إلى المسجد وابتدأ المرة الثانية من الصفا أيضا لم يصح أيضا على الصحيح وفيه وجه شاذ في البحر وغيره والله أعلم‏.‏

ويجب أن يسعى بينهما سبعا ويحسب الذهاب بمرة والعود بأخرى فيبدأ بالصفا ويختم بالمروة وقال أبو عبد الرحمن ابن بنت الشافعي وابن الوكيل وأبو بكر الصيرفي يحسب الذهاب والعود مرة واحدة والصحيح ما قدمناه وعليه العمل ولا يشترط فيه الطهارة ولا ستر العورة ولا سائر شروط الصلاة ويجوز السعي راكبا والأفضل ماشيا‏.‏

فرع لو طاف أو سعى وشك في العدد أخذ بالأقل ولو كان عنده أنه أتمهما فأخبره ثقة عن بقاء شيء لم يلزمه الإتيان به لكن يستحب والسعي ركن لا يحبر بدم ولا يتحلل بدونه قلت‏:‏ الأفضل أن يتحرى لسعيه زمن خلو المسعى وإذا عجز عن السعي الشديد للزحمة فليتشبه بالساعي كما قلنا في الرمل والله أعلم‏.‏

والمرأة تمشي ولا تسعى‏.‏

قلت‏:‏ وقيل إن سعت في الخلوة بالليل سعت كالرجل والله أعلم له مقدمة فيستحب للإمام إذا لم يحصر بنفسه الحج أن ينصب أميرا على الحجيج فيطيعونه فيما ينوبهم ويستحب للحجيج أن يدخلوا مكة قبل الوقوف فمن كان منهم مفردا أو قارنا أقام بعد طواف القدوم على إحرامه إلى أن يخرج إلى عرفة ومن كان متمتعا طاف وسعى وحلق فيحل من عمرته ثم يهل بالحج من مكة على ما سبق في صورة التمتع وكذا يفعل المقيم بمكة ويستحب للإمام أو منصوبه أن يخطب بمكة في اليوم السابع من ذي الحجة بعد صلاة الظهر خطبة واحدة يأمر الناس بالغدو فيها إلى منى ويخبرهم بما بين أيديهم من المناسك ويأمر المتمتعين أن يطوفوا للوداع قبل الخروج ولو كان السابع يوم جمعة خطب لها وصلاها ثم خطب هذه الخطبة لأن السنة فيها التأخير عن الصلاة ثم يخرج بهم في اليوم الثامن وهو يوم التروية إلى منى ويكون خروجهم بعد صلاة الصبح بحيث يصلون الظهر بمنى هذا هو المشهور‏.‏

وفي قول يصلون الظهر بمكة ثم يخرجون فإن كان يوم التروية يوم جمعة استحب أن يخرجوا قبل طلوع الفجر لأن السفر يوم الجمعة إلى حيث لا تصلى الجمعة حرام أو مكروه كما سبق وهم لا يصلون الجمعة بمنى وكذا لو كان يوم عرفة يوم جمعة لا يصلونها لأن الجمعة شرطها دار الإقامة‏.‏

قال الشافعي رضي الله عنه فإن بني بها قرية واستوطنها أربعون من أهل الكمال أقاموا الجمعة والناس معهم فإذا خرجوا إلى منى صلوا بها الصلوات مع الإمام وباتوا بها فإذا طلعت الشمس يوم عرفة على ثبير ساروا إلى عرفات فإذا وصلوا نمرة ضربت بها قبة الإمام فإذا زالت الشمس ذهب الإمام والناس إلى مسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم فيخطب فيه الإمام خطبتين يبين لهم في الأولى ما بين أيديهم من المناسك ويحرهم على إكثار الدعاء والتهليل بالموقف ويخفف هذه الخطبة لكن لا يبلغ تخفيفها تخفيف الثانية وإذا فرغ منها جلس بقدر سورة الإخلاص ثم يقوم إلى الخطبة الثانية ويأخذ المؤذن في الأذان ويخفف الخطبة يحيث يفرغ منها مع فراغ المؤذن من الإقامة وقيل مع فراغه من الأذان‏.‏

قلت‏:‏ الأصح مع فراغه من الأذان وبه قطع الجمهور والله أعلم‏.‏

ثم ينزل فيصلي بالناس الظهر ثم يقيم المؤذن فيصلي بهم العصر جمعا فإن كان الإمام مسافرا فالسنة له القصر ولا يقصر المكيون والمقيمون حولها فإذا سلم الإمام قال أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر وهل يختص الجمع بالمسافرين من الحجيج أم يجوز لغيرهم فيه كلام تقدم في صلاة المسافر وأشار جماعة إلى أنه يخطب ويصلي بنمرة وصرح الجمهور بأنه يخطب ويصلي بمسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم كما سبق‏.‏

فرع في الحج أربع خطب مسنونة إحداها بمكة في اليوم السابع والثانية يوم عرفة وقد ذكرناهما والثالثة يوم النحر بمنى والرابعة يوم النفر الأول بمنى ويخبرهم في كل خطبة بما بين أيديهم من المناسك وأحكامها إلى الخطبة الأخرى وكلهن أفراد و بعد صلاة الظهر إلا يوم عرفة فإنها خطبتان وقبل الصلاة‏.‏

فرع ثم بعد الصلاتين يذهبون إلى الموقف والسنة أن يقفوا عند الصخرات ويستقبلوا الكعبة والوقوف راكبا أفضل على الأظهر والثاني هو والماشي سواء ويذكروا الله تعالى ويدعوه حتى تغرب الشمس ويكثروا التهليل فإذا غربت الشمس دفعوا من عرفات منصرفين إلى مزدلفة ويؤخروا المغرب ليصلوها مع العشاء بمزدلفة ويذهبوا بسكينة ووقار فمن وجد فرجة أسرع فإذا وصلوا المزدلفة مع بهم الإمام المغرب والعشاء وحكم الأذان والإقامة سبق في باب الأذان ولو انفرد بعضهم بالجمع بعرفة أو بمزدلفة أو صلى إحدى الصلاتين مع الإمام والأخرى وحده جاز ويجوز أن يصل المغرب بعرفة وفي الطريق‏.‏

قال الشافعي رضي الله عنه ولا يتنفلون بين الصلاتين إذ جمعوا ولا على إثرهما فأما بينهما فلمراعاة الموالاة وأما على إثرهما فقال ابن كج لا يتنفل الإمام لأنه متبوع فلو اشتغل بالنفل لاقتدى به الناس وانقطعوا عن المناسك وأما المأموم ففيه وجهان أحدهما لا يتنفل كالإمام والثاني الأمر واسع له لأنه غير متبوع هذا في النافلة دون الرواتب ثم أكثر الأصحاب أطلقوا القول بتأخير الصلاتين إلى المزدلفة وقيل يؤخرهما ما لم يخش فوت وقت الاختيار للعشاء فإن خافه لم يؤخر بل يجمع بالناس في الطريق والسنة أن ينصرفوا من عرفة إلى المزدلفة عن طريق المأزمين وهو الطريق بين الجبلين‏.‏

فرع من مكة إلى منى فرسخان ومزدلفة متوسطة بين منى وعرفات منها إلى كل واحدة منهما فرسخ‏.‏

قلت‏:‏ المختار أن المسافة بين مكة ومنى فرسخ فقط كذا قاله جمهور العلماء المحققين منهم الأزرقي وغيره ممن لا يحصى والله أعلم‏.‏

فرع في بيان الوقوف بعرفة المعتبر فيه الحضور بعرفة لحظة بشرط كونه أهلا للعبادة سواء حضرها ووقف أو مر بها وفي وجه لا يكفي المرور المجرد وهو شاذ ولو حضر بها ولم يعلم أنها عرفة أو حضر مغمى عليه أو نائما أو دخلها قبل وقت الوقوف ونام حتى خرج الوقت أجزأه على الصحيح وفي الجميع وجه أنه لا يجزئه قال في التتمة هو مبني على أن كل ركن من أركان الحج يجب إفراده بالنية‏.‏

قلت‏:‏ الأصح عند الجمهور لا يصح وقوف مغمى عليه والله أعلم‏.‏

ولو حضر في طلب غريم أو دابة شاردة أجزأه قطعا قال الإمام ولم يذكروا فيه الخلاف السابق في صرف الطواف إلى جهة أخرى ولعل الفرق أن الطواف قربة مستقلة قال ولا يمتنع طرد الخلاف ولو حضر مجنون لم يجزئه قال في التتمة لكن يقع نفلا كحج الصبي الذي لا يميز ومنهم من طرد في الجنون الوجه المنقول في الإغماء‏.‏

فرع موضع الوقوف بعرفة في أي موضع وقف من عرفة أجزأه وأما حد عرفة فقال الشافعي رحمة الله عليه هي ما جاوز حد عرنة بضم العين وفتح الراء وبعدها نون إلى الجبال المقابلة مما يلي بساتين ابن عامر وليس وادي عرنة من عرفات وهو على منقطع عرفات مما يلي منى ومسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم صدره من عرنة وآخره من عرفات‏.‏

ويميز بينهما صخرات كبار فرشت هناك فمن وقف في صدره فليس بواقف في عرفات قال في التهذيب وهناك يقف الإمام للخطبة والصلاة وأما نمرة فقال صاحب الشامل وطائفة هي من عرفات وقال الأكثرون ليست من عرفات بل بقربها وجبل الرحمة في وسط عرصة عرفات وموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده معروف‏.‏

قلت‏:‏ الصواب أن نمرة ليست من عرفات وأما مسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم فقد قال الشافعي رحمه الله إنه ليس من عرفة فلعله زيد بعده في آخره وبين هذا المسجد وموقف النبي صلى الله عليه وسلم بالصخرات نحو ميل قال إمام الحرمين ويطيف بمنعرجات عرفات جبال وجوهها المقبلة من عرفة والله أعلم‏.‏

فرع وقت الوقوف بعرفة من زوال الشمس يوم عرفة إلى طلوع الفجر ولنا وجه أنه يشترط كون الوقوف بعد الزوال وبعد مضي زمان إمكان صلاة الظهر وهذا شاذ ضعيف جدا فلو اقتصر على الوقوف ليلا صح حجه على المذهب وبه قطع الجمهور وقيل في صحته قولان ولو اقتصر على الوقوف نهارا وأفاض قبل الغروب صح وقوفه بلا خلاف ثم إن عاد إلى عرفة وبقي بها حتى غربت الشمس فلا دم وإن لم يعد حتى طلع الفجر أراق دما وهل هو واجب أو مستحب فيه ثلاثة طرق أصحها على قولين أظهرهما مستحب‏.‏

والثاني واجب والطريق الثاني مستحب قطعا‏.‏

والثالث إن أفاض مع الإمام فمعذور وإلا فعلى القولين وإذا قلنا بالوجوب فعاد ليلا فلا دم على فرع إذا غلط الحجاج فوقفوا في غير يوم عرفة فإما أن يغلطوا وإما بالتقديم‏.‏

الحال الأول إن غلطوا بالتأخير فوقفوا في اليوم العاشر من ذي الحجة أجزأهم وتم حجهم ولا قضاء هذا إذا كان الحجيج على العادة فإن قلوا أو جاءت شرذمة يوم النحر فظنت أنه يوم عرفة وأن الناس قد أفاضوا فوجهان أحدهما يدركون ولا قضاء وأصحهما لا يدركون فيجب القضاء وإذا لم يجب القضاء فلا فرق بين أن تبين الحال بعد يوم الوقوف أو في حال الوقوف فلو بان قبل الزوال فوقفوا بعده قال في التهذيب المذهب أنه لا يجزئهم لأنهم وقفوا على يقين الفوات وهذا غير مسلم لأن عامة الأصحاب قالوا لو قامت بينة برؤية الهلال ليلة العاشر وهم بمكة لا يتمكنون من الوقوف بالليل وقفوا من الغد وحسب لهم كما لو قامت البينة بعد الغروب اليوم الثلاثين من رمضان على رؤية الهلال ليلة الثلاثين نص على أنهم يصلون من الغد العيد فإذا لم يحكم بالفوات لقيام البينة ليلة العاشر لزم مثله في اليوم العاشر‏.‏

هذا إذا شهد واحد أو عدد برؤية هلال ذي الحجة فردت شهادتهم فيلزم الشهود الوقوف في التاسع عندهم وإن كان الناس يقفون بعدهم أما إذا غلطوا فوقفوا في الحادي عشر فلا يجزئهم الحال الثاني أن يغلطوا بالتقديم فيقفوا في الثمن فإن بان الحال قبل فوات وقت الوقوف لزمهم الوقوف في وقته وإن بان بعده فوجهان أحدهما لا قضاء وأصحهما عند الأكثرين وجوب القضاء ولو غلطوا في المكان فوقفوا في غير عرفة لم يصح حجهم بحال‏.‏

قلت‏:‏ ومما يتعلق بالوقوف أنه يستحب أن يرفع يديه في الدعاء بحيث لا تجاوزان رأسه ولا يفرط في الجهر في الدعاء فإنه مكروه وأن يقف متطهرا والله أعلم‏.‏

 فصل في المبيت بالمزدلفة وما يتعلق به

المزدلفة ما بين مأزمي عرفة ووادي محسر وقد سبق أنهم يفيضون من عرفة بعد الغروب فيأتون مزدلفة فيجمعون الصلاتين وينبغي أن يبيتوا بها وهذا المبيت ليس بركن قال أبو عبد الرحمن ابن بنت الشافعي وأبو بكر بن خزيمة من أصحابنا هو ركن والصحيح الأول ثم المبيت نسك فإن دفع بعد منتصف الليل لعذر أو لغيره أو دفع قبل نصف الليل وعاد قبل طلوع الفجر فلا شيء عليه وإن ترك المبيت من أصله أو دفع قبل نصف الليل ولم يعد أراق دما وهل هو واجب أم مستحب فيه طرق أصحها على قولين كالإفاضة من عرفة قبل الغروب والثاني القطع بالإيجاب والثالث بالاستحباب‏.‏

قلت‏:‏ لو لم يحضر مزدلفة في النصف الأول وحضرها ساعة في النصف الثاني حصل المبيت نص عليه في الأم وفي قول ضعيف نص عليه في الإملاء والقديم يحصل بساعة بين نصف الليل وطلوع الشمس وفي قول يشترط معظم الليل والأظهر وجوب الدم بترك المبيت والله أعلم‏.‏

والأولى تقديم النساء والضعفة بعد نصف الليل إلى منى وأما غيرهم فيمكثون حتى يصلوا الصبح بها ويغلسون بالصبح والتغليس هنا أشد استحبابا من باقي الأيام‏.‏

فرع‏:‏ يستحب أن يأخذوا حصى الجمار من المزدلفة ولو أخذوا من موضع آخر جاز لكن يكره من المسجد والحش والمرمى وقد قدر المأخوذ وجهان أحدهما سبعون حصاة لرمي يوم النحر والتشريق قاله في المفتاح وهو ظاهر نصه في المختصر والثاني سبع حصيات لرمي يوم النحر فقط وبهذا قال الجمهور ونقلوه عن نصه وجعلوه بيانا لما أطلقه في المختصر‏.‏

وجمع بعضهم بينهما فقال يستحب الأخذ للجميع لكن ليوم النحر أشد ثم قال الجمهور يتزودوا الحصى بالليل وفي التهذيب يتزودوها بعد صلاة الصبح‏.‏

 فصل في الدفع إلى منى وما يتعلق به

ثم بعد صلاة الصبح منى فإذا انتهوا إلى قزح وهو جبل مزدلفة وقفوا فذكروا الله تعالى ودعوا إلى الإسفار مستقبلين الكعبة ولو وقفوا في موضع آخر من المزدلفة حصل أصل هذه السنة لكن أفضله ما ذكرناه ولو فاتت هذه السنة لم تجبر بدم كسائر الهيئات فإذا أسفروا ساروا إلى منى وعليهم السكينة ومن وجد فرجة أسرع فإذا بلغوا وادي محسر استحب للراكب تحريك دابته وللماشي الإسراع قدر رمية حجر وفي وجه لا يسرع الماشي وهو ضعيف شاذ ثم يسيرون وعليهم السكينة ويصلون منى بعد طلوع الشمس فيرمون سبع حصيات إلى جمرة العقبة وهي أسفل الجبل مرتفعة عن الجادة على يمين السائر إلى مكة ولا ينزل الراكبون حتى يرموا والسنة أن يكبر مع كل حصاة ويقطع التلبية إذ بدأ بالرمي وقال القفال إذا رحلوا من مزدلفة خلطوا التلبية بالتكبير في مسيرهم فإذا افتتحوا الرمي محضوا التكبير قال الإمام ولم أر هذا لغيره فإذا رمى نحر إن كان معه هدي ثم حلق أو قصر فإذا فرغ منه دخل مكة وطاف طواف الإفاضة وهو الركن وسعى بعده أن لم يكن سعى بعد طواف القدوم ثم يعود إلى منى للمبيت بها والرمي أيام التشريق‏.‏

ويستحب أن يعود إليها قبل أن يصلي الظهر‏.‏

فرع الحلق في الحج والعمرة الحلق في وقته في الحج والعمرة فيه قولان أحدهما أنه استباحة محظور وليس بنسك وأظهرهما أنه نسك وهو ركن لا يجبر بالدم حتى لو كانت برأسه علة لا يمكنه بسببها التعرض للشعر صبر إلى الإمكان ولا يفدي بخلاف من لا شعر على رأسه فإنه لا يؤمر بالحلق بعد نباته لأن النسك حلق شعر يشتمل الإحرام عليه ويقوم التقصير مقام الحلق لكن الحلق أفضل والمرأة لا تؤمر بالحلق بل تقصر ويستحب أن يكون تقصيرها بقدر أنملة من جميع جوانب رأسها ويختص الحلق والتقصير بشعر الرأس ويستحب أن يبدأ بحلق الشق الأيمن ثم الأيسر وأن يستقبل القبلة وأن يدفن شعره‏.‏

والأفضل أن يحلق أو يقصر جميع الرأس وأقل ما يجزىء حلق ثلاث شعرات أو تقصيرها ولنا وجه بعيد أن الفدية تكمل في الشعرة الواحدة في الحلق المحظور وذلك الوجه عائد في حصول النسك بحلق الشعة الواحدة ولو حلق ثلاث شعرات في دفعات أو أخذ من شعرة واحدة شيئا ثم عاد ثانيا فأخذ منها ثم عاد ثالثا وأخذ منها فإن كملنا الفدية بها لو كان محظورا حصل به النسك وإلا فلا‏.‏

وإذا قصر فسواء أخذ مما يحاذي الرأس أو مما استرسل عنه وفي وجه شاذ لا يجزىء المسترسل ولا يتعين للحلق والتقصير آلة بل حكم النتف والإحراق والأخذ بالموسى أو النورة أو المقصدين واحد ومن لا شعر على رأسه لا شيء عليه ويستحب له إمرار الموسى على رأسه‏.‏

قال الشافعي رحمه الله ولو أخذ من شاربه أو شعر لحيته شيئا كان أحب إلي وجميع ما ذكرناه فيمن لم يلتزم الحلق أما من نذر الحلق في وقته يلزمه ولا يجزئه التقصير ولا النتف والإحراق وفي استئصال الشعر بالمقصين وإمرار الموسى من غير استئصال تردد للإمام والظاهر المنع لعدم اسم الحلق ولو لبد رأسه في الإحرام فهل هو كالنذر قولان الجديد لا وفي وجه غريب لا يلزم الحلق بالنذر إذا لم نجعله نسكا‏.‏

فرع وقت حلق المعتمر إذا فرغ من السعي فلو جامع بعد السعي وقبل الحلق فسدت عمرته إذا قلنا الحلق نسك لوقوع جماعه قبل التحلل‏.‏

 فصل أعمال الحج يوم النحر

أربعة كما سبق وهي رمي جمرة العقبة والحلق والطواف وهذا يسمى طواف الإفاضة والزيارة والركن وقد يسمى أيضا طواف الصدر والأشهر أن طواف الصدر طواف الوداع وترتيب الأربعة على ما ذكرناه ليس بواجب بل مسنون فلو طاف قبل أن يرمي أو ذبح في وقته قبل أن يرمي فلا بأس ولا فدية ولو حلق قبل الرمي والطواف فإن قلنا الحلق استباحة محظور لزمه الفدية وإلا فلا على الصحيح وإذا أتى بالطواف قبل الرمي أو بالحلق وقلنا نسك قطع التلبية بشروعه فيه لأنه أخذ في أسباب التحلل‏.‏

وكذا المعتمر يقطع التلبية بأخذه في الطواف ويستحب في هذه الأعمال أن يرمي بعد طلوع الشمس ثم يأتي بباقيها فيقطع الطواف في ضحوة ويدخل وقت جميعها بانتصاف ليلة النحر ومتى يخرج أما الرمي فيمتد إلى غروب الشمس يوم النحر وهل يمتد تلك الليلة فيه وجهان أصحهما لا وأما الذبح فالهدي لا يختص بزمن لكن يختص بالحرم بخلاف الضحايا فإنها تختص بالعيد وأيام التشريق ولا تختص بالحرم‏.‏

قلت‏:‏ كذا جزم الإمام الرافعي هنا بأن الهدايا لا تختص بزمن والصحيح أنها كالأضحية تختص بالعيد والتشريق وقد ذكره هو على الصواب في باب الهدي وسيأتي بيانه فيه إن شاء الله تعالى قريبا والله أعلم‏.‏

وأما الحلق والطواف فلا يتوقت أحدهما لكن ينبغي أن يطوف قبل خروجه من مكة فإن طاف للوداع وخرج وقع عن طواف الإفاضة وإن خرج ولم يطف أصلا لم تحل له النساء وإن طال الزمان ثم مقتضى كلام الأصحاب لا يتوقت آخر الطواف وأنه لا يصير قضاء وفي التتمة أنه إذا تأخر فرع للحج تحللان وللعمرة تحلل واحد قال الأصحاب لأن الحج يطول زمنه وتكثر أعماله بخلاف العمرة فأبيح بعض محرماته في وقت وبعضها في وقت ثم أسباب تحلل الحج الرمي والطواف والحلق إن قلنا هو نسك وإلا فالرمي والطواف إن قلنا ليس بنسك حصل التحلل الأول بأحدهما والتحلل الثاني بالآخر وإلا حصل التحلل الأول باثنين من الثلاثة إما الرمي والحلق وإما الحلق والطواف وإما الرمي والطواف وحصل التحلل الثاني بالثالث ولا بد من السعي مع الطواف وإن لم يكن سعى هذا الذي ذكرنا هو المذهب المعروف الذي قطع به معظم الأصحاب وفي وجه اللاصطخري دخول وقت الرمي كالرمي في حصول التحلل ووجه للداركي أنا إن جعلنا الحلق نسكا حصل التحللان جميعا بالحلق مع الطواف أو بالطواف والرمي ولا يحصل بالرمي والحلق إلا أحدهما ووجه أنه يحصل التحلل الأول بالرمي فقط أو الطواف فقط وإن قلنا الحلق نسك ولو فاته الرمي فهل يتوقف تحلله على الإتيان ببدله فيه ثلاثة أوجه أصحها نعم والثالث إن افتدى بالدم توقف وإن افتدى بالصوم فلا لطول زمنه وأما العمرة فتحللها بالطواف والسعي ويضم إليهما الحلق إن قلنا نسك ويحل بالتحلل الأول في ولا يحل الجماع إلا بالتحللين بلا خلاف والمستحب أن لا يطأ حتى يرمي في أيام التشريق وفي عقد النكاح والمباشرة فيما سوى الفرج كالقبلة والملامسة قولان أظهرهما عند الأكثرين لا يحل إلا بالتحللين وأظهرهما عند صاحب المهذب وطائفة يحل بالأول ويحل الصيد بالأول على الأظهر باتفاقهم والمذهب حل الطيب بالأول بل هو مستحب بين التحللين‏.‏

 فصل مبيت أربع ليال بمزدلفة

نسك في الحج ليلة النحر بمزدلفة وليالي التشريق بمنى لكن الليلة الثالثة إنما تكون نسكا لمن لم ينفر النفر الأول وفي قدر الواجب من المبيت قولان حكاهما الإمام عن نقل شيخه وصاحب التقريب أظهرهما معظم الليل والثاني المعتبر كونه حاضرا حال طلوع الفجر قلت‏:‏ المذهب ما نص عليه الشافعي رحمه الله في الأم وغيره أن الواجب في مبيت المزدلفة ساعة في النصف الثاني من الليل وقد سبق بيانه قريبا والله أعلم‏.‏

ثم هذا المبيت مجبور بالدم وهل هو واجب أم مستحب أما ليلة المزدلفة فسبق حكمه وأما الباقي فقولان أظهرهما الاستحباب والثاني الإيجاب وقيل مستحب قطعا‏.‏

قلت‏:‏ الأظهر الإيجاب والله أعلم‏.‏

وحكى صاحب التقريب قولا أن في كل ليلة دما وهو شاذ وإن ترك ليلة فأقوال أظهرها تجبر بمد والثاني بدرهم والثالث بثلث دم وإن ترك ليلتين فعلى هذا القياس وإن ترك الليالي الأربع فقولان أظهرهما دمان دم للمزدلفة ودم للباقي والثاني دم للجميع هذا في حق من كان بمنى وقت الغروب فإن لم يكن حينئذ ولم يبت وأفردنا المزدلفة بدم فوجهان لأنه لم يترك إلا ليلتين أحدهما مدان أو درهمان أو ثلثا دم والثاني دم كامل لتركه جنس المبيت بمنى وهذا أصح وهو جار فيما لو ترك ليلتين من الثلاث دون المزدلفة هذا كله في غير المعذور أما من ترك مبيت مزدلفة أو منى لعذر فلا دم عليه وهم أصناف منهم رعاء الإبل وأهل سقاية العباس فلهم إذا رموا جمرة العقبة يوم النحر أن ينفروا ويدعوا المبيت بمنى ليالي التشريق وللصنفين جميعا أن يدعوا رمي يوم ويقضوه في اليوم الذي يليه قبل رمي ذلك اليوم وليس لهم أن يدعوا رمي يومين متواليين‏.‏

فإن تركوا رمي اليوم الثاني بأن نفروا اليوم الأول بعد الرمي عادوا في اليوم الثالث وإن تركوا رمي اليوم الأول بأن نفروا يوم النحر بعد الرمي عادوا في الثاني ثم لهم أن ينفروا مع الناس هذا هو الصحيح وفي وجه ليس لهم ذلك وإذا غربت الشمس والرعاء بمنى لزمهم المبيت تلك الليلة والرمي من الغد ولأهل السقاية أن ينفروا بعد الغروب على الصحيح لأن عملهم بالليل بخلاف الرعي ورخصة أهل السقاية لا تختص بالعباسية على الصحيح وفي وجه تختص بهم وفي وجه تختص ببني هاشم‏.‏

ولو أحدثت سقاية الحاج فللمقيم بسببها ترك المبيت قاله في التهذيب وقال ابن كج وغيره ليس له‏.‏

قلت‏:‏ الأصح قوله في التهذيب والله أعلم‏.‏

ومن المعذورين من انتهى إلى عرفة ليلة النحر واشتغل بالوقوف عن مبيت المزدلفة فلا شيء عليه وإنما يؤمر بالمبيت المتفرغون ولو أفاض من عرفة إلى مكة وطاف للإفاضة بعد نصف الليل ففاته المبيت قال القفال لا شيء عليه لاشتغاله بالطواف وقال الإمام وفيه احتمال ومن المعذورين من له مال يخاف ضياعه ولو اشتغل بالمبيت أو له مريض يحتاج إلى تعهده أو يطلب آبقا أو يشتغل بأمر آخر يخاف فوته ففي هؤلاء وجهان الصحيح المنصوص أنه لا شيء عليهم بترك المبيت ولهم أن ينفروا بعد الغروب‏.‏

 فصل فيما يتعلق بالرمي

إذا فرغ الحجاج من طواف الإفاضة عادوا إلى منى وصلوا بها الظهر ويخطب الإمام بها بعد الظهر خطبة ويعلمهم فيها سنة الرمي والإفاضة ليتدارك من أخل بشىء منها ويعلمهم رمي أيام التشريق وحكم المبيت والرخصة للمعذورين وفي وجه تكون هذه الخطبة بمكة والصحيح أنها بمنى ويخطب بهم في الثاني من أيام التشريق ويعلمهم جواز النفر فيه ويودعهم ويأمرهم بختم الحج بطاعة الله تعالى واعلم أن مجموع الرمي سبعون حصاة لجمرة العقبة يوم النحر سبعة ولكل يوم من أيام التشريق إحدى وعشرين إلى الجمرات الثلاث لكل جمرة سبع ومن أراد النفر في اليوم الثاني قبل غروب الشمس فله ذلك ويسقط عنه مبيت الليلة الثالثة ورمي الغد ولا دم عليه‏.‏

ومن لم ينفر حتى غربت الشمس لزمه مبيت الليلة الثالثة ورمي يومها ولو ارتحل فغربت الشمس قبل انفصاله من منى فله النفر ولو غربت وهو في شغل الارتحال أو نفر قبل الغروب فعاد لشغل قبل الغروب أو بعده جاز النفر على الأصح‏.‏

قلت‏:‏ فلو تبرع في هذه الحالة بالمبيت لم يلزمه الرمي في الغد نص عليه الشافعي رحمه الله والله أعلم‏.‏

ومن نفر وقد بقي معه شيء من الحصى التي تزودها طرحها أو دفعها إلى غيره قال الأئمة ولم يؤثر شيء فيما يعتاده الناس من دفنها أما وقت رمي يوم النحر فسبق وأما أيام التشريق فيدخل بزوال الشمس ويبقى إلى غروبها وهل يمتد إلى الفجر أما في اليوم الثالث فلا لخروج وقت المناسك وأما اليومان فوجهان أصحهما لا يمتد‏.‏

فرع أيام التشريق اليوم الأول من أيام التشريق يسمى يوم القر بفتح القاف الراء لأنهم قارون بمنى واليوم الثاني النفر الأول والثالث النفر الثاني فإذا ترك رمي يوم القر عمدا أو سهوا هل يتداركه في اليوم الثاني أو الثالث أو ترك رمي الثاني أو رمي اليومين الأولين هل يتدارك في الثالث قولان أظهرهما نعم فإن قلنا لا يتدارك في بقية الأيام فهل يتدارك في الليلة الواقعة بعده من ليالي التشريق وجهان تفريعا على الأصح أن وقته لا يمتد تلك الليلة وإن قلنا بالتدارك فتدارك فهل هو أداء أم قضاء قولان أظهرهما أداء كأهل السقاية والرعاء فإن قلنا أداء فجملة أيام منى في حكم الوقت الواحد فكل يوم للقدر المأمور به وقت اختيار كأوقات الاختيار للصلوات‏.‏

ويجوز تقديم رمي يوم التدارك على الزوال ونقل الإمام أن على هذا القول لا يمتنع تقديم رمي يوم إلى يوم لكن يجوز أن يقال إن وقته يتسع من جهة الآخر دون الأول فلا يجوز التقديم‏.‏

قلت‏:‏ الصواب الجزم بمنع التقديم وبه قطع الجمهور تصريحا ومفهوما والله أعلم‏.‏

وإذا قلنا جنه قضاء فتوزيع الأقدار المعينة على الأيام مستحق ولا سبيل إلى تقديم رمي يوم إلى يوم ولا إلى تقديمه على الزوال وهل يجوز بالليل وجهان أصحهما نعم لأن القضاء لا يتوقت والثاني لا لأن الرمي عبادة النهار كالصوم وهل يجب الترتيب بين الرمي المتروك ورمي يوم التدارك قولان ويقال وجهان أظهرهما نعم كالترتيب في المكان وهما مبنيان على أن المتدارك قضاء أم أداء إن قلنا أداء وجب الترتيب وإلا فلا فإن لم نوجب الترتيب فهل يجب على أهل العذر كالرعاء وجهان قال المتولي نظيره أن من فاتته الظهر لا يلزمه ترتيب بينها وبين العصر ولو أخرها للجمع فوجهان ولو رمى إلى الجمرات كلها عن اليوم قبل أن يرمي إليها عن أمسه أجزأه إن لم نوجب الترتيب وإلا فوجهان أصحهما يجزئه ويقع عن القضاء والثاني لا يجزئه أصلا قال الإمام ولو صرف الرمي إلى غير النسك بأن رمى إلى شخص أو دابة في الجمرة ففي انصرافه عن النسك الخلاف المذكور في صرف الطواف فإن لم ينصرف وقع عن أمسه ولغا قصده وإن انصرف فإن شرطنا الترتيب لم يجزئه أصلا وإلا أجزأه عن يومه‏.‏

ولو رمى إلى كل جمرة أربع عشرة حصاة سبعا عن أمسه وسبعا عن يومه جاز إن لم نعتبر الترتيب وإلا فلا وهو نصه في المختصر هذا كله في رمي اليوم الأول أو الثاني من أيام التشريق أما إذا ترك رمي يوم النحر ففي تداركه في أيام التشريق طريقان أصحهما أنه على القولين والثاني فرع شرط رمي التشريق يشترط في رمي التشريق الترتيب في المكان بأن يرمي الجمرة التي تلي مسجد الخيف ثم الوسطى ثم جمرة العقبة ولا يعتد برمي الثانية قبل تمام الأولى ولا بالثالثة قبل تمام الأوليين ولو ترك حصاة ولم يدر من أين تركها جعلها من الأولى فرمى إليها حصاة وأعاد الأخريين وفي اشتراط الموالاة بين رمي الجمرات ورميات الجمرة الواحدة الخلاف السابق في الطواف‏.‏

فرع السنة عند الرمي السنة أن يرفع يده عند الرمي وأن يرمي أيام التشريق القبلة ويوم النحر مستدبرها وأن يكون نازلا في رمي اليومين الأولين وراكبا في اليوم الأخير فيرمي وينفر عقيبه كما أنه يوم النحر يرمي ثم ينزل هكذا قاله الجمهور ونص عليه في الإملاء وفي التتمة أن الصحيح ترك الركوب في الأيام الثلاثة‏.‏

قلت‏:‏ هذا الذي في التتمة ليس بشىء والصواب ما تقدم وأما جزم الرافعي بأنه يستدبر القبلة يوم النحر فهو وجه قاله الشيخ أبو حامد وغيره ولنا وجه أنه يستقبلها والصحيح أنه يجمل القبلة على يساره وعرفات على يمينه ويستقبل الجمرة فقد ثبتت فيه السنة الصحيحة والله أعلم‏.‏

والسنة إذا رمى الأولى أن يتقدم قليلا بحيث لا يبلغه حصى الرامين فيقف مستقبلا القبلة ويدعو ويذكر الله تعالى طويلا قدر سورة البقرة وإذا رمى الجمرة الثانية فعل مثل ذلك ولا يقف إذا رمى الثالثة‏.‏

فرع لو ترك رمي بعض الأيام وقلنا يتدارك فتدارك فلا دم عليه المشهور وفي قول يجب دم مع التدارك كمن أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر يقضي ويفدي ولو نفر يوم النحر أو يوم القر قبل أن يرمي ثم عاد ورمى قبل الغروب أجزأه ولا دم ولو فرض ذلك يوم النفر الأول فكذا على الأصح والثاني يلزمه الدم لأن النفر في هذا اليوم جائز في الجملة فإذا نفر فيه خرج عن الحج فلا يسقط الدم بعوده وحيث قلنا لا يتدارك أو قلنا به فلم يتدارك وجب الدم وكم قدره فيه صور فإن ترك رمي يوم النحر وأيام التشريق والصورة فيمن توجه عليه رمي اليوم الثالث فثلاثة أقوال أحدها دم والثاني دمان والثالث أربعة دماء وهذا الأخير أظهرها عند صاحب التهذيب لكن مقتضى كلام الجمهور ترجيح الأول ولو ترك رمي يوم النحر أو يوماً من التشريق وجب دم وإن ترك رمي بعض يوم من التشريق ففيه طريقان أحدهما الجمرات الثلاث كالشعرات الثلاث فلا يكمل الدم في بعضها بل إن ترك جمرة ففيها الأقوال الثلاثة فيمن حلق شعرة أظهرها مد والثاني درهم والثالث ثلث دم وإن ترك جمرتين فعلى هذا القياس وعلى هذا لو ترك حصاة من جمرة قال صاحب التقريب إن قلنا في الجمرة ثلث دم ففي الحصاة جزء من أحد وعشرين جزءا من دم وإن قلنا في الجمرة مد أو درهم فيحتمل أن نوجب سبع مد أو سبع درهم ويحتمل أن لا نبعضهما‏.‏

الطريق الثاني يكمل الدم في وظيفة الجمرة الواحدة كما يكمل في جمرة النحر وفي الحصاة والحصاتين الأقوال الثلاثة وهذا الخلاف في الحصاة أو الحصاتين من آخر أيام التشريق فأما لو تركها من الجمرة الأخيرة يوم القر أو النفر الأول ولم ينفر فإن قلنا لا يجب الترتيب بين التدارك ورمي الوقت صح رميه لكنه ترك حصاة ففيه الخلاف وإلا ففيه الخلاف السابق في أن الرمي بنية اليوم هل يقع عن الماضي إن قلنا نعم تم المتروك بما أتى به في اليوم الذي بعده لكنه يكون تاركا للجمرة الأولى والثانية في ذلك اليوم فعليه دم وإن قلنا لا كان تاركا رمي حصاة ووظيفة يوم فعليه دم إن لم نفرد كل يوم بدم وإلا فعليه لوظيفة اليوم دم وفي ما يجب لترك الحصاة الخلاف وإن تركها من إحدى الجمرتين الأوليين من أول يوم كان فعليه دم لأن ما بعدهد غير صحيح لوجوب الترتيب في المكان‏.‏

هذا كله إذا ترك بعض يوم من التشريق فإن ترك بعض رمي النحر فقد ألحقه في التهذيب بما إذا ترك من الجمرة الأخيرة من اليوم الأخير وقال في التتمة يلزمه دم ولو ترك حصاة لأنها من أسباب التحلل فإذا ترك شيئا منها لم يتحلل إلا ببدل كامل وحكى في النهاية وجها غريبا ضعيفا أن الدم يكمل في حصاة واحدة مطلقا‏.‏

فرع قال في التتمة لو ترك ثلاث حصيات من جملة الأيام لم أخذ بالأسوإ وهو أنه ترك حصاة من يوم النحر وحصاة من الجمرة الأولى يوم القر وحصاة من الجمرة الثانية يوم النفر الأول فإن لم نحسب ما يرميه بنية وظيفة اليوم عن الفائت فالحاصل ست حصيات من رمي يوم النحر سواء شرطنا الترتيب بين التدارك ورمي الوقت أم لا وإن حسبناه فالحاصل رمي يوم النحر وأحد أيام التشريق لا غير سواء شرطنا الترتيب أم لا ودليله يعرف مما سبق من الأصول‏.‏

فرع في بيان ما يرمى شرطه كونه حجرا فيجزىء المرمر والبيرام وسائر أنواع الحجر ويجزىء حجر النورة قبل أن يطبح ويصير نورة وأما حجر الحديد فتردد فيه الشيخ أبو محمد والمذهب جوازه لأنه حجر في الحال إلا أن فيه حديدا كامنا يستخرج بالعلاج وفي ما تتخذ منه الفصوص كالفيروزج والياقوت والعقيق والزمرد والبلور والزبرجد وجهان أصحهما الإجزاء لأنها أحجار ولا يجزىء اللؤلؤ وما ليس بحجر من طبقات الأرض كالنورة والزرنيخ والإثمد والمدر والجص والجواهر المنطبعة والسنة أن يرمي بمثل حصى الخذف وهو دون الأنملة طولا وعرضا في قدر الباقلاء يضعه على بطن الإبهام ويرميه برأس السبابة ولو رمى بأصغر من ذلك أو أكبر كره وأجزأه ويستحب أن يكون الحجر طاهرا‏.‏

قلت‏:‏ جزم الإمام الرفاعي رحمه الله بأن يرميه على هيأة الخذف فيضعه على بطن الإبهام وهذا وجه ضعيف والصحيح المختار أن يرميه على غير هيأة الخذف والله أعلم‏.‏

فرع في حقيقة الرمي الواجب ما يقع عليه اسم الرمي فلو وضع الحجر في المرمى لم يعتد به على الصحيح ويشترط قصد المرمى فلو رمى في الهواء فوقع في المرمى لم يعتد به ولا يشترط بقاء الحجر في المرمى فلا يضر تدحرجه وخروجه بعد الوقوع لكن ينبغي أن يقع فيه فإن شك في وقوعه فيه فقولان الجديد لا يجزئه ولا يشترط كون الرامي خارج الجمرة فلو وقف في الطرف ورمى إلى الطرف الآخر جاز ولو انصدمت الحصاة المرمية بالأرض خارج الجمرة أو بمحمل في الطريق أو عنق بعير أو ثوب إنسان ثم ارتدت فوقعت في المرمى اعتد بها لحصولها في المرمى بفعله من غير معاونة ولو حرك صاحب المحمل المحمل فنفضها أو صاحب الثوب أو تحرك البعير فدفعها فوقعت في المرمى لم يعتد بها لعل أشبههما المنع لاحتمال تأثرها به‏.‏

ولو وقعت في غير المرمى ثم تدحرجت إلى المرمى أو ردتها الريح إليه فوجهان قال في التهذيب أصحهما الإجزاء لحصولها فيه لا بفعل غيره ولا يجزىء الرمى عن القوس ولا الدفع بالرجل ويستحب أن يرمي الحصيات في سبع دفعات فلو رمى حصاتين أو سبعا دفعة فإن وقعن في الرمى معا حسبت واحدة فقط وإن ترتبت في الوقوع حسبت واحدة على الصحيح ولو أتبع حجرا حجرا ووقعت الأولى قبل الثانية فرميتان وإن تساوتا أو وقعت الثانية قبل الأولى فرميتان على الأصح‏.‏

ولو رمى بحجر قد رمى به غيره أو رمى هو به إلى جمرة أخرى أو إلى هذه الجمرة في يوم آخر جاز وإن رمى به هو تلك الجمرة في ذلك اليوم فوجهان أصحهما الجواز كما لو دفع إلى فقير مدا في كفارة ثم اشتراه ودفعه إلى آخر وعلى هذا تتأدى جميع الرميات بحصاة واحدة‏.‏

فرع العاجز عن الرمي بنفسه العاجز عن الرمي بنفسه لمرض أو حبس يستنيب من يرمي ويستحب أن يناول النائب الحصى إن قدر ويكبر هو وإنما تجوز النيابة لعاجز بعلة لا يرجى زوالها قبل خروج وقت الرمي ولا يمنع الزوال بعده ولا يصح رمي النائب عن المستنيب إلا بعد رميه عن نفسه فلو خالف وقع عن نفسه كأصل الحج ولو أغمي عليه ولم يأذن لغيره في الرمي عنه لم يجز الرمي عنه وإن أذن جاز الرمي عنه على الصحيح‏.‏

قلت‏:‏ شرطه أن يكون أذن قبل الإغماء في حال تصح الاستنابة فيه صرح به الماوردي وآخرون ونقله الروياني عن الأصحاب والله أعلم‏.‏

وإذا رمى النائب ثم زال عذر المستنيب والوقت باق فالمذهب أنه ليس عليه إعادة الرمي وبهذا قطع الأكثرون وفي التهذيب أنه على القولين فيما إذا حج المعضوب عن نفسه ثم برىء‏.‏

 فصل ثم إذا فرغ الحاج من رمى اليوم الثالث

من أيام التشريق أن يأتي المحصب فينزل به ويصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت به ليلة الرابع عشر ولو ترك النزول به فلا شيء عليه وحد المحصب ما بين الجبلين إلى المقبرة

 فصل في طواف الوداع

قولان أظهرهما يجب والثاني يستحب وقيل يستحب قطعا فإن تركه جبره بدم فإن قلنا إنه واجب كان جبره واجبا وإلا مستحبا والمذهب أن طواف القدوم لا يجبر وعن صاحب التقريب أنه كالوداع في وجوب الجبر وهو شاذ وإذا خرج بلا وداع وقلنا يجب الدم فعاد قبل بلوغه مسافة القصر سقط عنه الدم وإن عاد بعد بلوغها فوجهان أصحهما لا يسقط ولا يجب العود في الحالة الثانية وأما الأولى فستأتي إن شاء الله تعالى وليس على الحائض طواف وداع فلو طهرت قبل مفارقة خطة مكة لزمها العود والطواف وإن طهرت بعد بلوغها مسافة القصر فلا وإن لم تبلغ مسافة القصر فنص أنه لا يلزمها العود ونص أن المقصر بالترك يلزمه العود فالمذهب الفرق كما نص عليه وقيل فيهما قولان فإن قلنا لا يلزم العود فالنظر إلى نفس مكة أو الحرم وجهان أصحهما مكة ثم إن أوجبنا العود فعاد وطاف سقط الدم وإن لم يعد لم يسقط وإن لم نوجبه فلم يعد فلا دم على الحائض ويجب على المقصر‏.‏

فرع وقت طواف الوداع ينبغي أن يقع طواف الوداع بعد جميع الأشغال ويعقبه الخروج بلا مكث فإن مكث نظر إن كان لغير عذر أو لشغل غير أسباب الخروج كشراء متاع أو قضاء دين أو زيارة صديق أو عيادة مريض فعليه إعادة الطواف وإن اشتغل بأسباب الخروج كشراء الزاد وشد الرحل ونحوهما فهل يحتاج إلى إعادته فيه طريقان قطع الجمهور بأنه لا يحتاج وفي النهاية وجهان قلت‏:‏ لو أقيمت الصلاة فصلاها لم يعده والله أعلم‏.‏

حكم سائر أنواع الطواف في الأركان والشرائط وفيه وجه لأبي يعقوب الأبيوردي أنه يصح بلا طهارة وتجبر الطهارة بالدم‏.‏

فرع هل طواف الوداع من جملة المناسك فيه خلاف قال الإمام والغزالي هو من المناسك وليس على الخارج من مكة وداع لخروجه منها وقال صاحبا التتمة و التهذيب وغيرهما ليس طواف الوداع من المناسك بل يؤمر به من أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر سواء كان مكيا أو أفقيا وهذا أصح تعظيما لحرم وتشبيها لاقتضاء خروجه الوداع باقتضاء دخوله الإحرام ولأنهم اتفقوا على أن المكي إذا حج وهو على أنه يقيم بوطنه لا يؤمر بطواف الوداع وكذا الأفقي إذا حج وأراد الإقامة بمكة لا وداع عليه ولو كان من جملة المناسك لعم الحجيج‏.‏

قلت‏:‏ ومما يستدل به من السنة لكونه ليس من المناسك ما ثبت في صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا ووجه الدلالة أن طواف الوداع يكون عند الرجوع فسماه قبله قاضيا للمناسك وحقيقته أن يكون قضاها كلها والله أعلم‏.‏

فرع استحب الشافعي رحمه الله للحاج إذا طاف للوداع أن يقف بحذاء الملتزم بين الركن والباب ويقول اللهم البيت بيتك والعبد عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك حتى سيرتني في بلادك وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضى وإلا فالآن قبل أن تنأى عن بيتك داري هذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم اصحبني العافية في بدني والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتني قال وما زاد فحسن وقد زيد فيه واجمع لي خير الدنيا والآخرة إنك قادر على ذلك ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وينصرف وينبغي أن يتبع نظره البيت ما أمكنه ويستحب أن يشرب من زمزم وأن يزور بعد الفراغ قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قلت‏:‏ يستحب للحاج دخول البيت حافيا ما لم يؤذ أو يتأذ بزحام أو غيره ويستحب أن يصلي فيه ويدعو في جوانبه وأن يكثر الاعتمار والطواف تطوعا قال صاحب الحاوي الطواف أفضل من الصلاة وظاهر عبارة صاحب المهذب وآخرين في قولهم أفضل عبادات البدن الصلاة أنها أفضل منه ولا ينكر هذا ويقال الطواف صلاة لأن الصلاة عند الإطلاق لا تنصرف إليه لا سيما في كتب المصنفين الموضوعة للإيضاح وهذا أقوى في الدليل والله أعلم‏.‏

ثلاثة أقسام‏:‏ أركان وأبعاض وهيآت‏.‏

فالأركان خمسة الإحرام والوقوف والطواف والسعي والحلق إن قلنا هو نسك وهذه هي أركان العمرة سوى الوقوف ولا مدخل للجبران في الأركان والترتيب يعتبر في معظمها فلا بد من تقديم الإحرام والوقوف على الطواف والحلق ولا بد من تأخير السعي عن طواف وينبغي أن يعد الترتيب من الأركان كما عدوه من أركان الصلاة والوضوء ولا يقدح في ذلك عدم الترتيب بين الطواف والحلق كما لا يقدح عدم الترتيب بين القيام والقراءة في الصلاة وأما الأبعاض فمجاوزة الميقات قبل الإحرام والرمى مجبوران بالدم قطعا وفي الجمع بين الليل والنهار بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنى وطواف الوداع قولان أحدهما الإيجاب فيكون من الإبعاض المجبورة بالدم وجوبا والثاني الاستحباب فيكون من الهيآت وما سواها هيآت وتقدم وجه ضعيف وجوب جبر طواف القدوم‏.‏